فصل: الخبر عن أبي نور بن أبي قرة وما كان له من الملك بالأندلس أيام الطوائف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن أبي نور بن أبي قرة وما كان له من الملك بالأندلس أيام الطوائف:

هذا الرجل اسمه أبو نور بن أبي قرة بن أبى يفرن من رجالات البربر الذين استظهر بهم قومهم أيام الفتنة تغلب على رندة أزمان تلك الفتنة وأخرج منها عامر بن فتوح من موالي الأموية سنة خمس وأربعمائة فملكها واستحدث بها لنفسه سلطانا ولما استفحل أمر ابن عباد بأشبيلية وأسف إلى تملك ما جاوره من الأعمال والثغور نشأت الفتنة بينه وبين أبي نور هذا واختلف حاله معه في الولاية والانحراف وسجل له سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة برنده وأعمالها فيمن سجل له من البرير واستدعاه بعدها سنة خمسين وأربعمائة لبعض ولائمه وكاده بكتاب أوقفه عليه على لسان جارية بقصره تشكو إليه ما نال منها ابنه من المحرم فانطلق إلى بلده وقتل ابنه وشعر بالمكيدة فمات أسفا وولي ابنه الآخر أبو نصر إلى سنة سبع وخمسين وأربعمائة فغدر به بعض جنده وخرج هاربا فسقط من السور ومات وتسلم المعتمد رنده من بعد ذلك ويقال إن ذلك كان عند كائنة الحمام سنة خمس وأربعين وأربعمائة وأن أبا نور هلك فيها ولما بلغ الخبر ابنه أبا نصر وقع ما وقع والله أعلم.

.الخبر عن مرنجيصة من بطون بني يفرن وشرح أحوالهم:

كان هذا البطن من بني يفرن بضواحي أفريقية وكانت لهم كثرة وقوة ولما خرج أبو يزيد على الشيعة وكان من أخوالهم بنو واركوا ظاهروه على أمره بما كان له معهم من العصبية ثم انقرض أمره وأخذتهم دولة الشيعة وأولياؤهم صنهاجة وولاتهم على أفريقية بالسطوة والقهر وانزال العقولات بالأنفس والأموال إلى أن تلاشوا وأصبحوا في عداد القبائل الغارمة وبقيت منم أحياء نزلوا ما بين القيروان وتونس أهل شاء وبقر وخيام يظعنون في نواحيها وينتحلون الفلح في معاشهم وملك الموحدون أفريقية وهم بهذا الحال وضربت عليهم المغارم والضرائب والعسكرة مع السلطان في غزواته بعدة مفروضة يحضرون بها متى استقروا.
ولما تغلب الكعوب من بني سليم على ضواحي أفريقية وأخرجوا منها الزواودة من الرياح أعداء الدولة لذلك العهد واستظهر بهم السلطان عليهم اتخذوا أفريقية وطنا من قابس إلى باجة ثم اشتدت ولايتهم للدولة وعظم الاستظهار بهم وأقطعهم ملك الدولة ما شاؤوه من الأعمال والخراج فكان في أقطاعهم خراج مرنجيصة هؤلاء ولما كانت وقعة بنو مزين على القيروان وكان بعدها في الفترة ما كان من طغيان الفتنة التى اعتز فيها العرب على السلطان والدولة كان لهؤلاء الكعوب المتغلبين مدد قوي من أحياء مرنجيصة هؤلاه من الخيل للحملان والخيالة للاستظهار بأعدادهم في الحروب فصاروا لهم لحمة وخولا وتملكوهم تملك العبيد حتى إذا أذهب الله بحمى الفتنة وأقام مائل الخلافة والدولة وصار تراث هذا الملك الحفصي إلى الأحق به مولانا السلطان أبي العباس أحمد فانقشع الجو وأضاء الأفق ودفع المتغلبين من العرب عن أعماله وقبض أيديهم عن رعاياه وأصار مرنجيصة هؤلاه من صفاياه بعد إنزال العقوبة بهم على لياذهم بالعرب وطعنم معهم فراجعوا الحق وأخلصوا في الانحياش ورجعوا إلى ما ألفوه من الغرامة وقوانين الخراج وهم على ذلك لهذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها.

.الخبر عن مغراوة من أهل الطبقة الأولى من زناتة وما كان لهم من الدول بالمغرب ومبدأ ذلك وتصاريفه:

هؤلاه قبائل من مغراوة كانوا أوسع بطون زناتة وأهل الباس والغلب منهم ونسبهم إلى مغراو بن يصلتين بن مسر بن زاكيا بن ورسيك بن ألديرت بن جانا أخوة بنى يفرن وبنى يرنبان وقد تقدم الخلاف في نسبهم عند ذكر بنى يفرن وأما شعوبهم وبطونهم فكثير مثل بنى يلث وبنى زنداك وبنى رواو ورتزمير وبني أبي سعيد وبني ورميغان والأغواط وبني ريغة وغيرهم ممن لم يحضرني أسماؤهم وكانت محلاتهم بأرض المغرب الأوسط من شلف إلى تلمسان إلى جبل مدبولة وما إليها ولهم مع أخوانهم بنى يفرن اجتماع وافتراق ومناغاة في أحوال البدو وكان لمغراوة هؤلاء في بدوهم ملك كبير أدركهم عليه الإسلام فأقره لهم وحسن إسلامهم وهاجر أميرهم صولات بن وزمار إلى المدينة ووفد على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فلقاه برا وقبولا لهجرته وعقد له على قومه ووطنه وانصرف إلى بلاده محبوا محبورا مغتبطا بالدين مظاهرا لقبائل مضر فلم يزل هذا دأبه وقيل إنه تقبض عليه أسيرا لأول الفتح في بعض حروب العرب مع البربر قبل أن يدينوا بالدين فأشخصوه إلى عثمان لمكانه من قومه فمن عليه وأسلم فحسن إسلامه وعقد له على عمله فاختص صولات هذا وسائر الأحياء من مغراوة بولاء عثمان وأهل بيته من بني أمية وكانوا خاصة لهم دون قريش وظاهروا دعوة المروانية بالأندلس رعيا لهذا الولاء على ما تراه بعد في أخبارهم.
ولما هلك صولات قام بأمره في مغراوة وسائر زناتة من بعده ابنه حفص وكان من أعظم ملوكهم ثم لما هلك قام بأمره ابنه خزر وعندما تقلص ظل الخلافة عن المغرب الأقصى بعض الشيء وأظلت فتنة ميسرة الحقير ومظفره فاعتز خزر وقومه على أمر المضرية بالقيروان واستفحل ملكهم وعظم شأن سلطانهم على البدو من زناتة بالمغرب الأوسط ثم انتقض أمر بني أمية بالمشرق فكانت الفتنة بالمغرب فازدادوا اعتزازا وعتوا وهلك خلال ذلك خزر وقام بملكه ابنه محمد وخلص إلى المغرب إدريس الأكبر بن عبد الله بن حسن بن الحسن سنة سبعين ومائة في خلافة الهادي وقام برابرة المغرب من أوربة ومدينة ومغيلة بأمره واستوثق له الملك واقتطع المغرب عن طاعة بني العباس سائر الأيام.
ثم نهض إلى المغرب الأوسط سنة أربع وسبعين ومائة فتلقاه محمد بن خزر هذا وألقى إليه المقادة وبايع له عن قومه وأمكنه من تلمسان بعد أن غلب عليها بني يفرن أهلها وانتظم لإدريس بن إدريس الأمر وغلب على جميع أعمال أبيه وملك تلمسان وقام بنو خزر هؤلاء بدعوته كما كانوا لأبيه وكان قد نزل تلمسان لعهد إدريس الأكبر أخوه سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن القادم إليه من المشرق وسجل له بولاية تلمسان من سجل ابنه إدريس لمحمد ابن عمه سليمان من بعده فكانت ولاية تلمسان وأمصارها في عقبه واقتسموا ولاية ثغورها الساحلية فكانت تلمسان لولد إدريس بن محمد بن سليمان وأرشكول لولد عيسى بن محمد وتنس لولد إبراهيم بن محمد وسائر الضواحي من أعمال تلمسان لبنى يفرن ومغراوة ولم يزل الملك بضواحي المغرب الأوسط لمحمد بن خزر كما قلناه إلى أن كانت دولة الشيعة واستوثق لهم ملك أفريقية وسرح عبيد الله المهدي إلى المغرب عروبة بن يوسف الكتامي في عساكر كتامة سنة ثمان وتسعين ومائتين فدوخ المغرب الأدنى ورجع ثم سرح بعده مصالة بن حبوس إلى المغرب في عساكر كتامة فاستولى على أعمال الأدارسة واقتضى طاعتهم لعبيد الله وعقد على فاس ليحيى بن إدريس بن عمر آخر ملوك الأدارسة وجلع نفسه ودان بطاعتهم وعقد له مصالة على فاس وعقد لموسى بن أبي العالية أمير مكناسة وصاحب تازة واستولى على ضواحي المغرب وقفل إلى القيروان وانتقض عمر بن خزر من أعقاب محمد بن خزر الداعية لإدريس الأكبر وحمل زناتة وأهل المغرب الأوسط على البرابرة من الشيعة وسرح عبيد الله المهدي مصالة قائد المغرب في عساكر كتامة سنة سبع وثلثمائة ولقيه محمد بن خزر في جموع مغراوة وسائر زناتة ففل عساكر مصالة وخلص إليه فقتله وسرح عبيد إليه ابنه أبا القاسم في العساكر إلى المغرب سنة عشر وثلثمائة وعقد له على حرب محمد بن خزر وقومه فأجفلوا إلى الصحراء واتبع آثارهم إلى ملوية فلحقوا بسجلماسة وعطف أبو القاسم على المغرب فدوخ أقطاره وجال في نواحيه وجدد لابن أبي العافية على عمله ورجع ولم يلق كيدا.
ثم إن الناصر صاحب قرطبة سماله أمل في ملك العدوة فخاطب ملوك الأدارسة وزناتة وبعث إليهم خالصته محمد بن عبيد الله بن أبي عيسى سنة ستة عشر وثلثمائة فبادر محمد بن خزر إلى إجابته وطرد أولياء الشيعة من الزاب وملك شلب وتنس من أيديهم وملك وهران وولى عليها ابنه المنير وبث دعوة الأموية في أعمال المغرب الأوسط ما عدا تاهرت وبدأ في القيام بدعوة الأموية إدريس بن إبراهيم بن عيسى بن محمد بن سليمان صاحب أرشكول ثم فتح الناصر سبتة سنة سبع عشرة وثلثمائة من يد الأدارسة وأجار موسى بن أبي المالية على طاعته واتصلت يده بمحمد بن خزر وتظاهروا على الشيعة وخالف فلفول بن خزر أخاه محمد إلى طاعة الشيعة وعقد له عبد الله على مغراوة وزحف إلى المغرب حميد بن يصل سنة إحدى وعشرين وثلاثماثة في عساكر كتامة إلى عبد الله على تاهرت فانتهى إلى فاس وأجفلت أمامه ظواعن زناتة ومكناسة ودوخ المغرب وزحف من بعده ميسور الخصي سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة فحاصر فاس وامتنعت عليه ورجع ثم انتقض حميد بن يصل سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وتحيز إلى محمد بن خزر ثم أجاز إلى الناصر وولاه على المغرب الأوسط ثم شغل الشيعة بفتنة أبي يزيد وعظمت آثار محمد بن خزر وقومه من مغراوة وزحفوا إلى تاهرت مع حميد بن يصل قائد الأموية سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة وزحف معه الخيربن محمد وأخوه حمزة وعمه عبد الله بن خزر ومعهم يعلى بن محمد في قومه بني يفرن وأخذوا تاهرت عنوة وقتلوا عبد الله بن بكار وأسروا قائدها ميسور الخصي بعد أن قتل حمزة بن محمد بن خزر في حروبها.
وكان محمد بن خزر وقومه زحفوا قبل ذلك إلى بسكرة ففتحوا وقتلوا زيدان الخصي ولما خرج إسماعيل من حصار أبي يزيد وزحف إلى المغرب في اتباعه خشية محمد بن خزر على نفسه لما سلف منه في نقض دعوتهم وقتل أتباعهم فبعث إليه بطاعة معروفة وأوعز إليه إسماعيل بطلب أبي يزيد ووعده في ذلك بعشرين حملا من المال وكان أخوه معبد بن خزر في موالاة أبي يزيد إلى أن هلك وتقبض إسماعيل بعد ذلك على معبد سنة أربعين وثلثمائة وقتله ونصب رأسه بالقيروان ولم يزل محمد بن خزر وابنه الخير متغلبا على المغرب الأوسط ومقاسما فيها ليعلى بن محمد ووفد فتوح بن الخير سنة أربعين وثلثمائة على الناصر مع مشيخة تاهرت ووهران فأجازهم وصرفهم إلى أعمالهم.
ثم حدثت الفتنة بين مغراوة وصنهاجة وشغل محمد بن الخير وابنه خزر بحروبهم وتغلب يعلى بن محمد على وهران وخربها وعقد الناصر لمحمد بن يصل على تلمسان وأعمالها وليعلى بن محمد على المغرب وأعماله فراجع محمد بن خزر طاعة الشيعة من أجل قريعة يعلى بن محمد ووفد على المعز بعد مهلك أبيه إسماعيل سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة فأولاه تكرمة وتم على طاعهتم إلى أن حضر مع جوهر في غزاته إلى المغرب بأعوام سبع أو ثمان وأربعين وثلثمائة ثم وفد على المعز بعد ذلك سنة خمسين وثلثمائة وهلك بالقيروان وقد نيف على المائة من السنين وهلك الناصر المرواني عامئذ على حين انتشرت دعوة الشيعة بالمغرب وانقبض أولياء الأموية إلى أعمال سبتة وطنجة فقام بعده ابنه الحكم المستنصر واستأنف مخاطبة ملوك العدوة فأجابه محمد بن الخير بن محمد بن خزر بما كان من أبيه الخير وجده محمد في ولاية الناصر والولاية التي لبني أمية على آل خزر بوصية عثمان بن عفان لصولات بن وزمار جدهم كما ذكرناه فاثخن في الشيعة ودوخ بلادهم ورماه معد بقرينه زيري بن مناد أمير صنهاجة فعقد له على حرب زناتة وسوغه ما غلب عليه من أعمالهم وجمعوا للحرب سنة ستبن ومائتين فلقي بلكين بن زيري جموعهم بدسيسة من بعض أولياء محمد بن الخير قبل أن يستكمل تعبيتهم فأبلى منهم ثباتا وصبرا واشتدت الحرب بينهم وانهزمت زناتة حتى إذا رأى محمد بن الخير أن قد أحيط به انتبذ إلى ناحية من العسكر وذبح نفسه واستمرت الهزيمة على قومه ووجد منهم في المعركة سبعة عشر أميرا سوى الأتباع وتحيز كل إلى فريقه.
وولى بعد محمد في مغراوة ابنه الخير وأغرى بلكين بن زيري الخليفة معد وجندل بن جعفر بن على بن حمدون صاحب المسيلة والزاب بموالاة محمد بن الخير فاستراب جعفر وبعث عنه معد لولاية أفريقية حتى اعتزم على الرحيل إلى القاهرة فاشتدت استرابته ولحق بالخير بن محمد وقومه وزحفوا إلى صنهاجة فأتيحت لهم الكرة وأصيب زيري بن مناد كبير العصابة وبعثوا برأسه إلى قرطبة في وفد من وجوه بني خزر مع يحيى بن علي أخي جعفر ثم استراب بعدها جعفر من زناتة ولحق بأخيه يحيى ونزلوا على الحكم وعقد معه لبلكين بن زيري على حرب زناتة وأمده بالأموال والعساكر وسوغه ما تغلب عليه من أعمالهم فنهض إلى المغرب سنة إحدى وستين ومائتين وأوغر بالبرابرة منهم وتقرى أعمال طبنة وباغاية والمسيلة وبسكرة وأجفلت زناتة أمامه وتقدم إلى تاهرت فمحا من المغرب الأوسط آثار زناتة ولحق بالمغرب الأقصى.
واتبع بلكين آثار الخير بن محمد وقومه إلى سجلماسة فأوقع بهم وتقتض عليهم فقتله صبرا وفض جموعهم ودوخ المغرب وانكف راجعا ومر بالمغرب الأوسط فالتحم بوادى زناتة ومن إليهم من المصاصين ورفع الأمان على كل من ركب فرسا أو أنتج خيلا من سائر البربر ونذر دماءهم فأقفر المغرب الأوسط من زناتة وصار إلى ما وراء ملوية من بلاد المغرب الأقصى إلى أن كان من رجوع بني يعلى بن محمد إلى تلمسان وملكهم إياها ثم هلك بنو خزر بسجلماسه وطرابلس وملك بني زيري ابن عطية بفاس ما نحن ذاكروه إن شاء الله تعالى.